الرحى أداة معروفة تستخدم لطحن الحبوب ، وقد عرفت في تراثنا منذ فترة قديمة جدا وتعتبر من ضمن الأدوات الهامة لدى الأسرة ، وهى أداة يومية الاستعمال وليست موسمية كالمحراث مثلا.
والرحى تصنع من حجارة صلبة خاصة ،تقطع من الجبال ولها صناعها المتخصصون ، وتختلف خامتها ولونها باختلاف لون وخامة صخور ذلك الجبل الذي تقطع منه ، ومن المواصفات الرئيسية والهامة لتلك الصخور التي تصنع منها الرحى إن تكون غير قابلة للتآكل إطلاقا بفعل الاحتكاك أثناء عملية طحن الحبوب أي إن تلك صخور أقرب لان تكون مواصفاتها فولاذية أكثر من صخرية.
والرحى تتكون من جزأين رئيسين وتسمى شعبيا( فردتين ) جزء سفلي وجزء علوي على شكل دائرتين سميكتين،ومثبت بمركزها السفلي قضيب معدني وهو القطب الذي يدور عليه الجزء العلوي المتحرك أو ( الفردة الفوقية) والجزء العلوي بمركزه فتحة كبيرة نسبيا بها قطعتي خشب على شكل وترين تسميان " الفرايش" ينفذ من خلالهما القطب المعدني الذي بالجزء السفلي لينضغط بين قطعتي الخشب المذكورتين لمنع تدهور الجزء العلوي أثناء الدوران مع الإبقاء على فتحات فراغيه في جانبي الفرايش ليلقم من خلالهما الحبوب .
وطحن الحبوب عمل تقوم به المرأة ، ويعد من شؤون بيتها الأساسية وهو عمل شبه يومي حيث تقوم بوضع جلد خروف تحت الرحى ويسمى" رقعة" وهى كلمة عربية صحيحة لتستقبل تلك الرقعة الإنتاج سواء كان دقيقا أو دشيشا من الرحى ثم تضع إلى جانب ذلك وعاء مصنوع من السعف يسمى (طبق) وبه كمية الحبوب المراد طحنها.
وبعد ذلك تجلس المرأة أمام الرحى وتثنى أحد رجليها وتمد الثانية وذلك الوضع يمكّن المرأة من التمركز بقوة والسيطرة الكاملة أثناء قيامها ببذل الجهد لتحريك تلك القطعة الصخرية .
تقوم المرأة بتحريك الجزء العلوي بحركة دائرية ممسكة بقطعة خشبية مثبتة بثقب بمحيط الجزء العلوي وتسمى تلك القطعة ( شظ) . وأحيانا تتقابل إمرأتان وتديران الرحى وبذلك تتضاعف القوة الدافعة ، وبذلك يزيد الإنتاج وفى وقت وجيز.
عند بداية الدوران تقوم المرأة بتلقيم الحبوب عبر الفتحة التي في الوسط فإن أرادت دقيقا كانت بطيئة في رمى الحبوب، حيث يتسنى للرحى طحنها جيدا وأن أرادت دشيشا أسرعت في لقم الحبوب للرحى فتكون الحبوب كثيرة ومتزاحمة داخل الرحى ويؤدى تزاحم الحبوب إلى أرتفاع نسبى للجزء العلوي فلايتم طحن الحبوب جيدا فتخرج من الرحى بفعل الدوران مكسورة فقط وهي الدشيشة و(الدشيشة) أكله شعبية معروفه بعد طهيها وخلطها بالسمن. ونضيف بأن الرحى السميكة جدا والتي يكون بالتالي جزئها العلوي ثقيل الوزن هذا النوع منها لايمكن إن يتم التحكم فيها لانتاج الدشيش، ويكون بذلك إنتاجها دائما دقيق فقط ، إما تلك التي أخف وزنا يمكن التحكم فيها عن طريق لقم الحبوب كما أسلفنا ليكون الإنتاج دقيقا أو دشيشا .
وظهر فن المرأة في ليبيا في هذا العمل مصاحبا لما تبذله من جهدا ، فهي بالاضافه إلى قيامها بهذا الجهد الشاق بشكل شبه يومي هناك إلى جانب ذلك ترديدها لاعذب الألحان وأقوى الكلمات بصوت شجى تشوبه نغمة الحزن والآسى أحيانا ، مصاحبا لصوت طحن الرحى وفى وقت متأخر من الليل .
وما أروع صوت تلك الفنانة المنتجة وهى تتغنى ببطولات أهلها وشوقها للأحباب الذين لم ترهم منذ فترة،وتمنياتها لصغارها أن يصبحوا رجالا مرموقين يركبون الخيل ويكرمون الضيف ويذودون عن الوطن .
فكم أنت أداة رائعة وبسيطة أيتها الرحى ، ورمز كبير لأحد عوامل الصمود والاستغناء عن الآخرين آلا وهو ا للاكتفاء الذاتي
وكم أنت أروع أيتها المرأة الأم المنتجة والفنانة