إلى أبي الحنون ...... مع التحية

نتذكر الأم كثيراً ..... وهي تستحق التذكر

وننسى الأب كثيراً ...... وهو لا يستحق النسيان

ولكني لي أب لا أستطيع نسيانة مهما حاولت .....

فذكراه العطرة تفرض نفسها على حياتي

فلا أستطيع العيش بدون ذلك العبق الطيّب من ذكراه

وعندما يراودني الشوق للقياه أهرب لأفكاري المتناثرة فأجمعها

وأسطرها كلمات متواضعة لتبقى ذكراه معي إلى الأبد

فدعونا لا ننسى أبائنا فلهم علينا من الحقوق ما لا يعد ولا يحصى

رحم الله الأموات منهم ..... وأطال في عمر الأحياء دهراً طويلاً




إلى أبي الحنون .............. مع التحية



أستيقظت هذا الصباح باكراً ...على غير عادتي ...وكنت سعيدة

ونشيطة ومنشرحة الصدر شعرت كأنني فراشة تستيقظ من حضن

الزهور لتطير في الهواء بل كأني زهرة أستيقظت لتداعب قطرات الندى

و تبتسم بخجل لقرص الشمس المشرق

فصباحي اليوم صباحاً مختلفاً عن كل يوم ... فاليوم يعود أبي من سفره الطويل

لا أعلم أين سافر ولم طال غيابه ولا أريد أن أعلم ...

كل ما أعرفه الأن أنه اليوم سيعود أخيراً

وستعود سعادتي بعودته وسترتقي إبتسامتي عرش شفاهي الذابلة

فمنذ سفره لم أعد أجد طعماً لأي شيء...

وكأن الدنيا بدونه أصبحت بالأبيض والأسود

وستعود لها الألوان من جديد سيعود لها الإشراق والسطوع

ومع الوقت أقترب موعدوصوله إلينا وكان قلبي يقفز فرحاً من الشوق للقائه

وكنت أحدث نفسي كيف سيكون لقائي به .....؟؟؟

وماذا سأقول له وعن ماذا سأحكي له ؟؟؟؟

يا الله ...أشعر أن قلبي سيتوقف من الفرحة

كم الوقت بطيء .... لم لا تسير هذه الساعة بسرعة ؟؟؟ هل أصابها الشلل ؟؟؟

أم أنها تغار من فرحتي وسعادتي وتسير ببطء لتكدر صفوي ؟؟؟؟

لالا لن أجعل الغضب يتسلل إلى نفسي .... سأنتظر ....وما أحلى إنتظار الحبيب

وبعد طول إنتظار ....إستسلمت الساعة .... وأعلنت الوقت

فقد سمعت طرقاً خفيفاً على الباب

فقفز قلبي من مكانه ليطير في الهواء

وقفزت قدماي لتجريان نحو الباب بخطى متعثرة

وقفزت أفكاري لتتطايرفي رأسي إستعداداً لترتيبها

وقفزت روحي التي بين جنبي لتعانق روح القادم الحبيب

كنت أسابق الريح لأصل للباب ... وكأن الباب أصبح بعيداً جداً

وصلت أخيراً للباب وفتحته على مصراعيه

وفجأة !!!!!!

وكأن صخباً كان يملأ الدنيا قد سكت فجأة وساد بعده السكون ........

وهدأ كل شيء من حولي

فمن بالباب ليس بأبي ..... بل شخص أخر لا أعرفه

لا لا ربما أعرفه ولكن هول الصدمة جعلني أنساه

سألته من أنت .... أجابني أنا أخوك ماذا بك ألا تعرفيني ...هل جننت

فقلت له أين أبي لماذا لم يحضر معك .... ألم يعد من السفر بعد ....هل حدث له مكروه

في سفره ؟؟؟؟؟ أمطرت أخي بالأسئلة ولم أعطه فرصة للإجابة

ولكنه بدلاً من إجابتي ضحك طويلاً ...

ومد يده ليضعها على جبيني ليستشعر حرارتي ....

ثم قال ..... سلامتك يا أختي هل أنتي مريضة أم ذهب عقلك مع الريح

فقلت في غضب ولم هذا الكلام الجارح الأن .... لماذا لم يعود أبي

فقال يا بلهاء وكيف يعود أبوك وهو متوفى إلى رحمة الله منذ زمن بعيد ...

هل فقدت الذاكرة ......وهل سمعت يوماً أن الأموات يعودون من الموت

صدمتني كلماته لم أعد أسمع شيءاً بل لم أعد أرى حتى ولم أشعر بشيء على

الإطلاق ..... أغمى علي من هول الصدمة

فتحت عيني بتثاقل وأجلت بنظري من حولي ....

وقع بصري على ساعتي الجدارية كانت تشير للساعة الثانية بعد منتصف الليل

وتذكرت أنني ما زلت مستلقية على سريري في غرفتي

و كل ما شاهدته كان مجرد ..... حلم .....حلم عابر

كان حلماً............ معقول ............ حلم

وأبي لم يعود ولن يعود يوماً

كانت عودة أبي مجرد حلم... فسفره كان بعيداً ..... حيث بلاد اللاعودة

أجهشت بالبكاء

لماذا كانت عودة أبي حلماً ؟؟؟؟؟

لماذا لم أره على الأقل ؟؟؟؟؟

فقد كنت مشتاقة لرؤيته .....

كنت أريده أن يجلس بجانبي ويمازحني ويصغي لخزعبلاتي الصغيرة

فقد كان يجيد فن الإصغاء بشكل عجيب

وكنت عندما أتحدث إليه أشعر وكأنه كلّه آذان صاغية

من رأسه حتى أخمص قدميه .... لايمل سماعي

كنت أريد ملامسة يديه الخشنتين من شدة العمل ومشقته

كنت أتمنى مشاهدة عيناه وهما تتلألأن ببريق الرحمة والعطف والحنان

كنت أريد أن أجلس بجواره حتى أشعر وكأني ملكت العالم أجمع

كنت أريد سماع صوته يتحدث حتى لو من بعيد حتى أشعر بالفرح والسرور

والطمأنينة وكأني أسمع ألحاناً عذبة

كنت أريد ..... وأريد ....... وأريد

كنت أريد أبي يعود من جديد


ولكن ......... أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد


أبي يا أبي

يا صاحب أبرأ وجه في الوجود

ويا أطيب قلب أحبني

ويا أدفأ حضن ضمني

يا أبي الحنون متى ستعود

رحمك الله

أمين ياربي
وشكراً
يسرا و مواطن