بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
ماذا لو ابتعدت عن الله؟!!
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم و الصلاة و السلام على نبي الأمم محمد الأكرم وعلى آله و صحبه و من تبهم إلى اليوم الأعظم و بعد :
القرب من الله جل شأنه نعمة قد فاز من حازها , و البعد عن الله نقمة تعيس صاحبها , و حرصاً مني على عدم ترك التعيس المحروم على حاله أحببت في هذا الموضوع أن أتكلم عن حالات يتجسد فيها البعد عن الله و كيف كان البعد عن الله رأس كل مصيبة و كيف أن القرب منه جل شأنه جارٌّ لكل نعمة .
القرب من الله
مفهومه :
كثرت تلك المفاهيم التي وضعت لهذه الكلمة الصغيرة حتى أن شروحها وصلت لمجلدات ثقل حملها , لذلك نعرف معنى القرب من الله من خلال الواقع .
القرب ضد البعد ؛ فالإنسان يكون قريباً من الشيء إذا كان ملاصقاً له أو مستحضراً إياه , و القرب من الله تعني أن يستحضر الإنسان في كل وقت معية الله عز وجل في السر و العلن دائم الطاعة له مخلصاً في عمله له جل شأنه .
و مفتاح القرب منه جل شأنه هو الطاعة و المداومة على الفرائض و فعل ما استطعنا من النوافل من صوم و تهجد و إنفاق في سبيل الله ...
كيف نتقرب إلى الله؟؟
الله سبحانه و تعالى قريب منا فهو جل شأنه قد وسع كرسيه السماوات و الأرض و يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ؛ فكيف نستشعر هذا القرب و كيف نتقرب منه جل في علاه ؟
أخبرنا الله أنه قريب منا حيث قال جل شأنه :" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ... "
و نتقرب منه كما أرشدنا سبحانه "... فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "
إذاً نستشعر قرب الله جل وعلا من خلال الاستجابة لأوامره و الانتهاء عما نهانا عنه و بالدعاء المتوفرة أسباب استجابته يستشعر العبد قرب ربه و من خلاله يتقرب العبد من ربه .
الله قريب من المحسنين ؛ و العدوان سبب من أسباب نيل غضب الله .
و أضرب أنموذجا نفتقر إلى مثله هذه الأيام يدل على عظمة استشعار معية الله جل شأنه , فها هو عليه الصلاة و السلام و صاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور لا عاصم لهما من بطش كفار قريش إلا الله , فيخبرنا الله عن قوله عليه الصلاة و السلام ؛. قال تعالى :" إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .."
فكانت النتيجة " نعمة استشعار القرب من الله "
السكينة ؛ فقد أنزل الله عليهما السكينة و الطمأنينة و أذهب شعور الخوف .
التأييد ؛ ما أجملها من نعمة أن يكون الإنسان المسلم مؤيد من الله جل شأنه .
النصر ؛ إن إعلاء كلمة الله على كلمة الكفر هي النصر الذي أعطاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم فكان نصره من دواعي القرب إلى الله .
و لعلنا ننظر في كتب التفسير الفرق بين قوله عليه الصلاة و السلام و قول سيدنا موسى عليه السلام
إن الله معنا ؛ و إن معيَّ .. هذه على هامش الموضوع ولكن جميل أن نرجع لها في مواضعها لنستشعر هذه النعمة .
باختصار شديد و حتى نرجع إلى الموضوع الذي من أجله أطلنا هذا التقديم فلينظر أحدنا علاقته مع الله و ليصلحها حتى يصلح الله أحواله و ينعم المسلم بحياته .
ماذا لو ابتعدت عن الله ؟
البعد عن الله مرض من أمراض الأمة , جالب لكل نقمة حارم من كل خير ؛ هي سبب الفشل و سبب انحباس المطر , و سبب كل مصيبة حلت على هذه الأمة من حروب و مجاعات و ضياع للحقوق ..
عندما تبتعد عن الله عز وجل فأنت " الخاسر الأكبر "
قال تعالى :" وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا " هذا في الدنيا ؛أما في الآخرة قال تعالى :" وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " و قال : "..كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ." و قال :" ذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى " ..
فهل نرتجي نصراً من الله نحن أبعد ما نكون من الله ..؟!!!
ليس هذا وحسب بل إن البعد عن الله جل شأنه سبب الأمراض النفسية والأوهام التي غرق جل شبابنا في بحرها , و لم يتوقف الأمر هنا بل وصل إلى أقصى من ذلك .. البعد عن الله سبب القرب من تمكن الشيطان من الإنس فنراه في دوامه السحر و إتباع الدجاجلة و طلب العون من العبد و ترك ما نحنا إياه الرب من سبل الخلاص و ما أعطانا إياه من دواء لكل داء .
فنشكو تارةً الفقر , و ليتنا نرتجي الله بل نمد يدنا للعبد قبل الرب .. إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله .
متى تكون هذه هي قاعدتنا ؟
كيف نعود إلى الله ؟
الإجابة بيد كل واحد منا سهلة يسيرة في متناول كل يد و لكن هناك من ران على قلوبهم سوء أعمالهم فلم يهتدوا لسبيل الخلاص .
السبيل الوحيد هو التوبة و إتباع أوامر الله سبحانه و تعالى .
كيف نتوب ؟
نستغفر الله و ندعوه في الحال ؛ نعيد الحقوق لأصحابها , نتقرب إلى الله بالأعمال الصالحات و نتجنب بعزيمةٍ ترك المنكرات .
و أبشر يا من سلكت طريق البعد عن الله بتوبة ربك عليك فإنه هو التواب الرحيم .. فالله أرحم بعبده من الأم بطفلها .
لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته، وفي رواية: ثم قال من شدة الفرح: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح))، يا الله، يا أرحمن الراحمين، فليس العجب أن يفرح العبد بربه حين يتوب عليه، فذلك أمر طبيعي، أما العجيب حقاً هو أن يفرح ذلك الرب العظيم الحليم الكريم التواب، بعودة عبده الفقير الذليل، المذنب المفرط، إلى رحاب ربه مرة أخرى.
و للتوبة شروط حتى تتحقق كاملة و حتى تكون مقبولة وهي :
ترك المعصية أولاً و قبل سؤال التوبة
الدعاء و الاستغفار مع اليقين باستجابة الله مخلصاً له في السؤال
الندم على المعصية
العزم على عدم العودة إليها مرة أخرى
أما إن كانت التوبة من حق سلبه الشخص فعليه أن يرده لصاحبه حتى تقبل توبته .
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و انا عبدك و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أوبوء لك بنعمتك عليَّ و أبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وشكراً