تقع سلسلة جبال أكاكوس فى المنطقة المتعارف على تسميتها بالمثلث اللّيبى الجزائرى النيجري، وهى تمتد من الجزائر غرباً إلى شمال النيجر شرقاً مروراً بالجنوب الليبي، وهذه الجبال تتكون فى غالبيتها من صخور بركانية صمّاء شديدة الصلابة تتخلّلها أحياناً كثبان رملية. وفي سلسلة جبال في الجنوب قمم شماء يصل ارتفاع بعضها إلى 5000 قدم بالإضافة إلى أكثر من 1300 كهف تحمل في داخلها رسومات يتراوح تاريخها من 12000 سنة قبل الميلاد إلى 100 عام بعد الميلاد
وبقيت هذه المنطقة ولفترة طويلة من الزمن مجهولة للعالم الخارجى وتقتصر زيارتها على بعض البعثات العلمية الأجنبية والمحلية، وهذا يرجع إلى أن المنطقة نائية وبعيدة عن التجمعات السكانية، وتقع ضمن نطاق صحراوى جاف، بالإضافة إلى وعورة الطرق التى تؤدى إليها.
أما حالياً فقد أصبح الوضع متيسرا لزيارتها، ففى ظل دعم الدولة لقطاع السياحة فى ليبيا أصبح هناك العديد من الشركات السياحية المتميزة التى تقدم خدماتها للسياح والباحثين الراغبين فى سبر أغوار ومعالم هذه المنطقة من الجنوب الليبي، وهذه الشركات توفر كل ما تحتاجه الرحلات الصحراوية من تجهيزات سواءً من سيارات ذات الدفع الرباعي، أو إقامة وتجهيز المخيمات بكل التجهيزات المطلوبة وفى أماكن بعيدة داخل الصحراء.
وتعتبر ليبيا مكانا واعدا فى مجال السياحة بمختلف أنواعها لاسيما السياحة الصحراوية حيث أن أغلب السياح القادمين إليها لم يسبق وأن قدموا لهذه المناطق الصحراوية، رغم أنهم زاروا عدة بلدان مجاورة ولعدة مرات.
إن جبال أكاكوس تتضمن نقوشاً ومعالم تاريخية ترجع فى القدم إلى عصر ما قبل التاريخ ، ولحضارة هذه الجبال التي أستوطنتها منذ امد بعيد عادات وتقاليد مازالت موجودة إلى يومنا هذا وبالتحديد تلك العادات التي تتميزبها قبائل الطوارق .
القادم إلى منطقة أكاكوس منطلقاً من مدينة العوينات، وبمجرد التوغّل لنحو ستين كيلومترا فى القطاع الأوسط من سلسلة الجبال يفاجأ بصخرةً منتصبةًًًً أمامه يزيد ارتفاعها الخمسين متراً على شكل كائن بشرى ذى جسم كبير ورأس متوسط الحجم ، ولكن من دون أطراف ،وقد أطلق عليها سكان الصحراء من الطوارق اسم «أضاد» وهو اسم أمازيغى يعنى فى العربية الإصبع الكبير، والمتأمل لهذه الصخرة يجدها قطعة فنية غايةً فى الجمال قامت بنحتها الريح مستخدمة فى ذلك حبات الرمل الصغيرة.
ومع الاستمرار فى التوغّل فى مسالك الصحراء والجبالُ تطل برؤوسها يميناً ويساراً ًيقع نظرك على رسوم نقشت على جدران بعض الجبال والكهوف يرجع تاريخها إلى عشرة آلاف سنة مضت ، وهذه النقوش تجسّد الحياة اليومية لسكان هذه المناطق ، فبعضها يصور رحلة لصيد حيوانات الماموت والأبقار الوحشية ، والبعض الآخر يصوّر معارك طاحنة نشبت بين سكان تلك المناطق.
وعند الاتّجاه غرباً فى محاذاة مرتفعات أكاكوس التى تظهر كما لو أنها جزر صغيرة فى بحار من الرمال العظيمة يطالعنا أكبر قوس طبيعى فى إفريقيا، وهو قوس «افازاجار» منتصباً فى وسط الصحراء وكلما تعمقنا داخل الصحراء زادت حيرتنا حتى تصل إلى مرتفعات وكهوف تاسيلى التى تعتبر امتداداً طبيعياً لجبال تدرات أكاكوس والموجودة تحديداً فى الحدود الليبية الجزائرية .